فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.اللغة:

{لا يستحيي} الحياء: تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم، والمراد به هنا لازمه وهو الترك، قال الزمخشري: أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي من ذكرها لحقارتها.
{فما فوقها} فما دونها في الصغر.
{الفاسقين} أصل الفسق في كلام العرب: الخروج عن الشيء، والمنافق فاسق لخروجه عن طاعة ربه، قال الفراء: الفاسق مأخوذ من قولهم فسقت الرطبة من قشرها أى خرجت، ويسمى الفاسق فاسقا لخروجه عن طاعة الله، وتسمى الفأرة فويسقة لخروجها لأجل المضرة.
{ينقضون} النقض: فسخ التركيب وإفساد ما أبرمته من بناء، أو حبل، أو عهد قال تعالى: {ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها} وقال: {فبما نقضهم ميثاقهم} أي فبنقضهم الميثاق.
{عهد} العهد: الموثق الذي يعطيه الإنسان لغيره ويقال عهد إليه أي أوصاه.
{الميثاق} العهد المؤكد باليمين وهو أبلغ من العهد.
{استوى} الاستواء في الأصل: الاعتدال والاستقامة يقال: استوى العود إذا قام واعتدل، واستوى إليه كالسهم إذا قصده قصدًا مستويا، وقال ثعلب: الاستواء: الإقبال على الشيء.
{فسواهن} خلقهم وأتقنهن وقيل معناه: صيرهن. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه بين بالدليل كون القرآن معجزًا أورد هاهنا شبهة أوردها الكفار قدحًا في ذلك وأجاب عنها وتقرير الشبهة أنه جاء في القرآن ذكر النحل والذباب والعنكبوت والنمل وهذه الأشياء لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء فاشتمال القرآن عليها يقدح في فصاحته فضلًا عن كونه معجزًا، فأجاب الله تعالى عنه بأن صغر هذه الأشياء لا يقدح في الفصاحة إذا كان ذكرها مشتملًا على حكم بالغة، فهذا هو الإشارة إلى كيفية تعلق هذه الآية بما قبلها. اهـ.
قال الفخر:
عن ابن عباس أنه لما نزل: {يا أَيُّهَا الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ} [الحج: 73] فطعن في أصنامهم ثم شبه عبادتها ببيت العنكبوت قالت اليهود أي قدر للذباب والعنكبوت حتى يضرب الله المثل بهما فنزلت هذه الآية.
والقول الثاني: أن المنافقين طعنوا في ضرب الأمثال بالنار والظلمات والرعد والبرق في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَارًا} [البقرة: 17] والقول الثالث: أن هذا الطعن كان من المشركين.
قال القفال: الكل محتمل هاهنا، أما اليهود فلأنه قيل في آخر الآية: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ ميثاقه} وهذا صفة اليهود، لأن الخطاب بالوفاء وبالعهد فيما بعد إنما هو لبني إسرائيل وأما الكفار والمنافقون فقد ذكروا في سورة المدثر {وَلِيَقُولَ الذين في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والكافرون مَاذَا أَرَادَ الله بهذا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء} [المدثر: 31] الآية فأما الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون، والذين كفروا يحتمل المشركين لأن السورة مكية فقد جمع الفريقان هاهنا.
إذا ثبت هذا فنقول:
احتمال الكل هاهنا قائم لأن الكافرين والمنافقين واليهود كانوا متوافقين في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مضى من أول السورة إلى هذا الموضع ذكر اليهود، وذكر المنافقين، وذكر المشركين.
وكلهم من الذين كفروا ثم قال القفال: وقد يجوز أن ينزل ذلك ابتداءً من غير سبب لأن معناه في نفسه مفيد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلًا} قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لمّا ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين: يعني {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَارًا} وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السماء} قالوا: الله أجلّ وأعْلَى من أن يضرب الأمثال؛ فأنزل الله هذه الآية.
وفي رواية عطاء عن ابن عباس قال: لما ذكر الله آلهة المشركين فقال: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: 73] وذكر كَيْدَ الآلهَة فجعله كَبَيْت العنكبوت، قالوا: أرأيتَ حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد، أيّ شيء يصنع؟ فأنزل الله الآية.
وقال الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضربَ للمشركين به المَثل، ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله؛ فأنزل الله الآية. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم واشتقاقه من الحياة يقال حيي الرجل كما يقول نسي وخشي وشظي الفرس إذا اعتلت هذه الأعضاء.
جعل الحيي لما يعتريه الانكسار والتغير منكسر القوة منغص الحياة، كما قالوا فلان هلك حياء من كذا، ومات حياء، ورأيت الهلاك في وجهه من شدة الحياء، وذاب حياء، وإذا ثبت هذا استحال الحياء على الله تعالى لأنه تغير يلحق البدن، وذلك لا يعقل إلا في حق الجسم، ولكنه وارد في الأحاديث.
روى سلمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى حيي كريم يستحيي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرًا حتى يضع فيهما خيرًا».
وإذا كان كذلك وجب تأويله وفيه وجهان:
الأول: وهو القانون في أمثال هذه الأشياء؛ أن كل صفة ثبتت للعبد مما يختص بالأجسام فإذا وصف الله تعالى بذلك فذلك محمول على نهايات الأعراض لا على بدايات الأعراض مثاله أن الحياء حالة تحصل للإنسان لكن لها مبدأ ومنتهى، أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي يلحق الإنسان من خوف أن ينسب إلى القبيح، وأما النهاية فهو أن يترك الإنسان ذلك الفعل، فإذا ورد الحياء في حق الله تعالى فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمته، بل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته، وكذلك الغضب له، علامة ومقدمة وهي غليان دم القلب، وشهوة الانتقام وله غاية وهو إنزال العقاب بالمغضوب عليه، فإذا وصفنا الله تعالى بالغضب فليس المراد ذلك المبدأ أعني شهوة الانتقام وغليان دم القلب، بل المراد تلك النهاية وهو أنزل العقاب، فهذا هو القانون الكلي في هذا الباب.
الثاني: يجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة فقالوا أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلًا بالذباب والعنكبوت، فجاء هذا الكلام على سبيل إطباق الجواب على السؤال، وهذا فن بديع من الكلام، ثم قال القاضي ما لا يجوز على الله من هذا الجنس إثباتًا فيجب أن لا يطلق على طريق النفي أيضًا عليه، وإنما يقال إنه لا يوصف به فأما أن يقال لا يستحي ويطلق عليه ذلك فمحال، لأنه يوهم نفي ما يجوز عليه وما ذكره الله تعالى من كتابه في قوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البقرة: 255] وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] فهو بصورة النفي وليس بنفي على الحقيقة وكذلك قوله: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ} [المؤمنون: 91] وكذلك قولك: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [الأنعام: 14] وليس كل ما ورد في القرآن إطلاقه جائزًا أن يطلق في المخاطبة فلا يجوز أن يطلق ذلك إلا مع بيان أن ذلك محال، ولقائل أن يقول: لا شك في أن هذه الصفات منفية عن الله سبحانه فكان الإخبار عن انتفائها صدقًا فوجب أن يجوز.
بقي أن يقال إن الإخبار عن انتفائها يدل على صحتها عليه فنقول: هذه الدلالة ممنوعة وذلك لأن تخصيص هذا النفي بالذكر لا يدل على ثبوت غيره بل لو قرن باللفظ ما يدل على انتفاء الصحة أيضًا كان ذلك أحسن من حيث أنه يكون مبالغة في البيان وليس إذا كان غيره أحسن أن يكون ذلك قبيحًا. اهـ.